lundi 27 février 2017

الكباريهات والملاهي في ليالي تونس... «دولة الزّطلة»


الرّقيق الأبيض وتجارة المخدّرات


اندفع الباجي قايد السبسي يبحث عن انجاز ما، انجاز يصرف الناس عن نقد مرحلة حكمه في ظل انهيار اقتصادي شامل وفشل تام في تنفيذ الوعود الانتخابية... انه يشرع لاستهلاك الزطلة باعتباره اكبر انجازاته. ماذا صنعت حكومة الشاهد بعد 6 أشهر ؟ إنها لم تقدر على تغيير أي شيء، عدا أنها نجحت في ترويض قطاع واسع من المشهد الإعلامي الذي تحول إلى كتلة موالية للحلف الحاكم.
 لم يجد الباجي من انجاز سوى العمل على تغيير قانون استهلاك المخدرات، خاصة ما تعلق منه باستهلاك مادة القنب الهندي أوما يعرف بالزطلة... قد يكون ذلك فاتحة لتخدير أجيال كاملة، وتحويلها إلى أجيال تغرق في اللاوعي وفي الأحلام الزائفة.
 فقد حارب بورقيبة الوطني بالقانون فكرة السماح باستهلاك المخدرات أو ما يعرف بالتكروري، واعتبره امتدادا لسياسات الدولة الاستعمارية، تلك التي كانت تدفع إلى تغييب الوعي الفردي والوعي الجماعي عن قضاياه الأساسية بتشجيعه على استهلاك المخدرات وتخدير العقل الإنساني... ولم يخرج بن علي عن هذا التصور بل وشدد عقوبات الاستهلاك... لكن الرئيس الباجي قرر أن يعقد مجلسا للأمن القومي لمنع تنفيذ قانون استهلاك المخدرات وهو خرق فاضح للدستور واستيلاء على صلاحيات السلطة التشريعية والسلطة القضائية.
 في هذا السياق تفتح الثورة نيوز ملفا حراما، مسكوتا عنه هو ملف المخدرات وملف الدعارة... نحن نبحث في أعماق النسيج الاجتماعي والأخلاقي والسلوكي للمجتمع في مدينة تونس أثناء الليل، وهو بحث عن ذلك الكلّ المعقّد، ما بين عوالم الأموال والمخدرات والجنس. 


كيف يتحرك هذا «الكلّ المعقّد» في فضاء القيم الأخلاقية والسلوكية والقانونية ؟

 خلال الليل تنقلب مدينة تونس، من حال إلى حال، إنها حياة بديلة وأنساق اجتماعية تنام في النهار وتنشط في عتمة الليل، هي أشبه بالاقتصاد المُوازي والسلوكيات الممنوعة في النهار، المسموح بها ليلا.
 تظهر عصابات الجريمة المنظمة في السرقات والسطو والمخدرات والجنس... فتنطلق السهرات في الملاهي والكباريهات والمطاعم والخمّارات، موسيقى وغناء ورقص... انه عالم غريب ومعقد، لكنه جزء من الحركة الاقتصادية، تتحرك فيها دسائس السياسة ومراقبة الأمن وحركة الأموال، وتتداخل فيها الرغبة في تحصيل المتعة واللذة خارج المألوف والمتعاقد عليه اجتماعيا، فتلتقي أحيانا كثيرة مع عالم الجريمة المنظمة، وفيه ما فيه، من تجارة للجنس وتجارة للمخدرات.
 ولعل كشفا مجهريّا لهذا النسيج الاجتماعي يكشف أن الفضاءات التي يتحرك فيها هذا الكلّ المعقد هي الكباريهات والملاهي والعلب الليلية... إنها أمكنة مغلقة الأبواب وضيقة وغامضة، تقصدها فئات مختلفة، خاصة من طبقة الأثرياء والشباب الميسورين... لكنها تخضع لأنماط من المراقبة الأمنية لكنها مراقبة قاصرة.



تجارة الرقيق الأبيض في كباريهات العاصمة

 لعل أشهر كباريهات مدينة تونس هي : crazy horse كرايزي هورس، والبوتونيار botoniere ، mon seigneur  ... و»الكاباريه» في التعريف هو في ظاهره مطعم حانة، توزع فيه الأطعمة والخمور بأنواعها وفق طلبات الحرفاء، ترافقها فرقة موسيقية تختص عادة بالطرب الشرقي تصاحبها راقصات.
 وحرفاء الكاباريهات هم عادة من فئة الكهول والشيوخ... ويكون استهلاك المواد المخدرة قليلا في هذه المحلات، باعتبار أن هذه الفئة الاجتماعية تستنكف عن قبول استهلاك المواد المخدرة.
 وفي باطن «الكاباريه» تنشط تجارة الرقيق الأبيض بقوة، انه سوق ليلي لبائعات الهوى حيث تتحرك مجموعات من النساء، وتنشط في مطاعم مختلفة وهي أشبه بمناطق النفوذ تتقاسمها جماعات وحتى عصابات مختصة في تجارة الرقيق الأبيض محليا ودوليا بطرق غير شرعية في ظل جمود إدارة الحدود والأجانب والمصالح المختصة للأمن الوطني.
وهذه المجموعات النسائية تنقسم إلى 3 أصناف:
1 - صنف أول من بائعات الهوى تبدأ نشاطها بالتوجه إلى حانات مدينة تونس منذ المساء لربط علاقات مع حرفائها، ومن ثم تتوجه بهم إلى الكاباريه الذي تنشط فيه هي عادة... وهي بذلك تستجلب حريفها إلى الكباريه من اجل حثه على إنفاق الأموال واستهلاك الطعام وشرب النبيذ مقابل وعود بخلوات حميمية.
 2 - أما الصنف الثاني من بائعات الهوى فإنها تتوجه إلى الكباريه لربط علاقات جديدة مع الزبائن مباشرة من هناك.
3 - أما الصنف الثالث فهن مومسات يجلسن كسلعة معروضة داخل الكباريه في انتظار قدوم الزبائن... ويتمعش منهن صاحب المحل، وعادة ما يجلس الحريف ويختار المرأة التي يشاء ثم يستدعي إليه النادل أو المشرف على الكباريه ... فيسدي الأخير تعليماته إلى الفتاة التي اختارها الحريف فتتوجه إليه على الفور.
والغريب أن تلك المجموعات من المومسات ترأسهن عادة امرأة تسمى في اصطلاحهن «ماما» وهي التي تتاجر بهن أو هي «قهرمانة» الحب... أما الحريف فيسمى «كالان» وأحيانا تسيطر بعض العصابات أو بعض المنحرفين على التجارة بالنساء كذلك الشأن من خلال تعامل أعوان الحراسة مع بائعات الهوى مباشرة او عن طريق سائق سيارة الأجرة الخاص بالعاهرة.
وتوجد مجموعات أخرى في شبكات الدعارة تنشط في المقاهي الفاخرة في النهار ويمارسن الدعارة نهارا وذلك بالتنسيق دائما بواسطة الهاتف الخلوي مع «ماما»، وهي التي توجهها إلى منزل الحريف المقصود... وتنتقل إما بواسطة سيارات تاكسي تعمل مع تلك الشبكات أو بواسطة سيارات خاصة وفاخرة.


والأخطر من كل ذلك أن بعض الكاباريهات تقوم بجلب الفتيات أو الرقيق الأبيض من دول أجنبية، قصد العمل في تجارة الجنس والدعارة المرتبطة بالكباريه، ويتراوح سعر اللقاء الواحد بين 500 دينار و3000 دينار، وهن ينحدرن من جنسيات اوروبية واسياوية وافريقية ... ويتم ايواؤهن عادة في نزل قريبة من الكباريه بعنوان سائحات.
ويحتاج صاحب الكباريه الى ربط علاقات وثيقة مع جهات امنية وسياسية مؤثرة توفر له حماية من الرقابة الامنية.
 وأثناء السهرات تلتئم الطاولات، كل مجموعة تنزوي في ركن من المطعم ويستمر السهر إلى الساعات الأولى من الفجر، وتستهلك فيها أنواع فاخرة من الخمور.
 لكن المومس لا تكتفي بأموال الدعارة، بل تحصل على نصيب قليل من قيمة الفاتورة التي يسددها حريفها، ويكون لها نصيب أيضا من «الرّشق» أي تلك الأموال التي يهبها الحريف للراقصة أو المغنية.
والمدهش أن قيمة الفاتورة تتراوح في الطاولة الواحدة بين 1000 دينار و2000 دينار، دون اعتبار لمبالغ «الرّشق» التي تساوي أموالا طائلة يهبها أصحاب الثراء في لحظات عمَى السكر ونشوة الخمرة... إذ أن سعر قارورة الشامبانيا يتراوح بين 500 و1000 دينار... وحتى الشيشة فيبلغ سعرها 50 دينارا ... أما قارورة الجعة فيتراوح ثمنها بين 7 دينارات و25 دينارا.
مع انتهاء السهر تتوجه تلك المجموعات إما إلى نزل قريبة من الكاباريه والذي ينسق عادة مع حريفاته ... وقد تتوجه المومس بحرفائها إلى منازل مؤثثة يؤجرها أصحابها لليلة واحدة بتسعيرات تتراوح بين 80 دينارا و200 دينار لليلة الواحدة، وتنتشر الدور المخصصة للدعارة بشكل واسع في الأحياء الراقية في النصر والمنارات وعين زغوان والبحيرة... بعلم من الجهات الأمنية.
 لعل تجارة الرقيق الأبيض تنبهنا إلى المهمشين في المجتمع التونسي... فتلك النسوة هن ضحايا الفقر ووهن ضحايا اختيارات اقتصادية فاشلة... ثم ينضاف إلى ذلك غياب كلي للرقابة الأمنية... انه مجتمع الليل ذاك الذي يحتاج الى المراقبة.



الملاهي وتجارة المخدرات بين المرسى وقمرت

 الملهى هو مطعم وحانة ومرقص ترافقه موسيقى غربية صاخبة، يوزع الخمور بأنواعها، وأهمها الماديسون madisson، واللوج loge والسيلاكت select وكوبا كاباناcoba cabana ، وجوبي فينيكس jobi phenix ، وفيلا ديدون villa didon ، والسبون spoon ، وبوف سور لو توا boef sur le toit وكوزا نوسترا casa nostra ، والبليونار...
 يقصده عادة الشباب والمراهقون وأقلية من الكهول والشيوخ، وبعض الشخصيات النافذة في السياسة والأعمال يترددون عليها بحثا عن الجمال والصخب والفوضى في انزياح عن القيم السائدة .
  وحسب خبراء في المجال الامني المختص في مكافحة المخدرات، فان تجارة المخدرات تنشط داخل الملاهي بشكل لافت.
 والمخدرات أنواع شتى : الزطلة، والكيتامين، والاكستازي، والكوكايين... تطلق عليها داخل الملاهي أسماء اصطلاحية مثل «فلسة» و»تنبري» و»طابع»... في المقابل فان استهلاك مادة الزطلة تراجع في الملاهي مع انخفاض أثمانها نتيجة تصريحات السياسيين بضرورة إيقاف العمل بعقوبات الاستهلاك وتغيير النصوص القانونية.
فأصبحت الزطلة تباع على قارعة الطريق أمام المعاهد والمدارس وفي الأحياء الشعبية وانخفضت أثمانها حتى بلغ ثمن القطعة الواحدة ما بين 5 الى 20 دينارا، إنها مخدرات خاصة بطبقة الفقيرة... أما سائر المخدرات الفاخرة فهي استهلاك للأثرياء.
وداخل الملاهي ينطلق الرقص عادة تحت تأثير المواد المخدرة ويترافق ذلك مع موسيقى «التكنو» techno ذات الألحان الخاصة التي تحث على الفوضى وتسهم في تنامي الشعور باللذة والقوة على الانطلاق في الكون.



كيف توزع المخدرات داخل الملاهي ؟

 يفيد الخبراء الامنيون في هذا المجال أن مجموعة من الشبان تتوزع على الملاهي، وتقوم بعمل يشبه أعمال السمسرة، ويسمى السمسار داخل الملهىR P وهو الذي يتكفل باستدعاء أصدقائه وتكوين حرفاء لكل طاولة من الشباب انه مكلف بالعلاقات العامة، وهو المنسق العام الذي يجلب الحرفاء إلى المحل مقابل عمولات.
وهذه الحفلات الليلية تنطلق منذ يوم الاثنين من كل أسبوع إلى غاية يوم الجمعة...وعادة ما تستنكف فئة الشباب الميسورين من السهر يوم السبت، لان السبت قد صار يوما يحتفل فيه الرعاع والنازحون... كما تعقد امسيات شاطئية على غرار السهرات الليلية في فصل الصيف disco beach تستهلك فيها الخمور والمخدرات ويؤمها الشباب والكهول مع ضمان حرية السباحة في حالة عري. 
 وتفيد المعطيات أن صاحب الملهى إذا قام بمنع توزيع المخدرات داخل الملهى فان تجارته تكسد ويهجرها الشباب الثري... بما يفيد أن الملاهي التي تشهد زحاما وشهرة لدى الشباب ترتبط آليا بوفرة استهلاك أنواع شتى من المخدرات.
 ويجبر صاحب الملهى على ربط علاقات مع بعض الجهات الأمنية والسياسية النافذة من اجل توفير حصانة للملهى وتقييد نشاط فرق مكافحة المخدرات ومن اجل غض الطرف عنه... هنا يتحرك موزعو المخدرات لترويج بضاعتهم داخل الملاهي وما على صاحب الملهى سوى أن يغض الطرف... فيتم انتداب موزعين من أولئك الشباب ليقوم بعملية التوزيع وينخرط بدوره في شبكة التوزيع الممنوعات ويصبح جزءا من تلك العصابات.
 وحسب المحاضر الأمنية فان حبة الاكستازي تباع بسعر يتراوح بين 50 و500 دينار وفيها أنواع مختلفة منها : بات مان batman ، وايبول aple ، ورأس الكبش، ورأس الراجل.
 أما الكوكايين فيباع بالغرام الواحد والذي يتراوح سعره بين 250 دينار و1000 دينار... وهو الاستهلاك المفضل للأثرياء.
 وعادة ما تنظم بعض الملاهي خلال السنة حفلات جماعية ضخمة ويتم استدعاء فناني ال»دي دجي»... وأشهرهم سوليمان soliman، وديكسون dixon ويتقاضى ما بين 60 إلى 120 ألف اورو أي ما يعادل 300 ألف دينار. يتسلمها نقدا بالعملة الصعبة. في مخالفة صريحة لقوانين المالية والصرف والتصدير للعملات.
 هنا يطرح سؤال : كيف يسدد صاحب الملهى أجرة ال»دي دجي» نقدا وبالعملة الصعبة ؟ هل يحولها إليه وفق قانون الصرف عبر البنك المركزي ؟ أم يسلمها له سرا ؟ انه هدر منظم لمخزون الدولة من العملة الصعبة.
 تلك الحفلات تحقق أرباحا طائلة لصاحب الحفل ولتجار المخدرات وكذلك لبعض الشخصيات التي تختص بتنظيم الحفلات... وفي بعض الأحيان تنظم الحفلات «التكنو» في الهواء الطلق باشراف وزارة السياحة خاصة في الجنوب التونسي لكنها تختلط بالمخدرات وبعالم الجنس.
 وتجارة الجنس في الملاهي مختلفة عن الجنس في الكباريهات فتتبدل إلى أساليب أخرى فتنشط بعض الفتيات مع اصدقائهن وهم ينتمون عادة إلى الطبقات الميسورة حيث إن الدخول إلى الملهى مشروط بمرافقة أنثى.


المصالح الأمنية معطلة 

حسب مصادر فان  اغلب الملاهي والعلب والكباريهات تفتقر الى الشروط الدنيا في حفظ الصحة والسلامة المهنية.
ثم ان  منظومة التوقي من التهديدات الارهابية لم يتم تطبيقها في تلك الملاهي والكباريهات وهي مهددة نتيجة غياب الاجراءات التأمينية
هنالك تقصير حقيقي في عمل فرق امن الملاهي التابعة للامن وللحرس الوطنيين وإدارة الأمن السياحي وإدارة الاستعلامات بخصوص التعاطي مع هذا النشاط المخالف للقانون وللأعراف الاجتماعية وللأخلاق السائدة.
هذا ما يستدعي توسيع صلاحيات الوحدات الامنية المعنية بالمجال والتي تعمل تحت امرة مناطق الامن مما اعاق مهامها نظرا لتكليفها بمهمات اخرى خارج اختصاصها... قد يقتضي ذلك مراجعة هيكلية ادارة الامن السياحي.
 فإدارة المخدرات لا تعدو أن تكون سوى إدارة فرعية صلب إدارة الشرطة العدلية، والحال أنها تتطلب تحويلها إلى إدارة عامة وتخصيص ميزانية خاصة بها مع دعمها بالأفراد والتجهيزات. ... ثم إن تفكيك شبكات المخدرات تحتاج إلى أعوان من صنف معين من الشباب بإمكانه تحقيق الاختراقات داخل الملاهي والعلب الليلية، دون الكشف عن هوياتهم لضمان نجاحهم المهني.
وقد تجنبنا في عرضنا لهذا البحث الخوض في التفاصيل الدقيقة التي وصلتنا بخصوص تجارة الجنس والمخدرات في عالم الكبريهات والملاهي والعلب الليلية مثلما تجنبنا ذكر الأسماء والصفات .
بقي انه من الضروري لفرق الرقابة الأمنية أن تتوفر لها إمكانات للعمل خارج دائرة السياسيين الذي يوفر بعضهم حماية لتلك التجاوزات الخطيرة المخربة للمجتمع في ظل قرارات سياسية فاشلة وعجز مكونات المجتمع المدني.




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire